كيف تكون|ــي داعي|ــة إلى الله في موسم الحج؟!
خلال الأيام الروحانية التي يعيشها المسلمون في موسم الحج
وبعيداً عن المصالح الشخصية الصرفة والأطماع المادية،
تتوحد أنفاس الملايين من المسلمين في بقعة صغيرة من العالم،
اختارها الله
-عز وجل-
لتكون مكاناً تهوي إليه أفئدة الناس،
وتطوف عند بيت الله الحرام.
وفي هذه الأيام التي حددها الله
-سبحانه وتعالى- من كل عام هجري،
تصطف قلوب العباد للواحد الديان،
تطلب منه الغفران والرحمة والرزق والجنة والعتق من النار،
وتقبل على الطاعات والعبادات تستزيد منها...
فتستأنس القلوب بالسكينة،
وتغشاها الطمأنينة,
فتكون أقرب ما تكون إلى السمع والطاعة
والانصياع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي هذه الأيام،
يأمل الكثير من الناس أن يكونوا دعاة إلى الله،
يهدون الضال،
ويعلمون الجاهل،
ويأخذون بيد المسيء
ويزيدون من علم المؤمن،
ويكثرون حسنات العابد،
ويلينون قلب القاسية قلوبهم.
وللدعوة إلى الله في هذه الأيام أشكال وأنواع،
تختلف حسب الحاجة إليها،
وتتميز بخصوصية الموسم الذي تنتشر فيه.
خصائص موسم الحج:
لأيام الحج خصائص معينة تتميز فيها عن غيرها من الأيام الأخرى،
ومنها ينطلق الداعية إلى الله في عمله،
بحيث يغتنم ما توفره هذه الأيام من بركات،
ومن هذه الخصائص أنها:
1- أيام يجتمع فيها مئات الآلاف من الناس من مختلف الدول الإسلامية والعالمية،
ويكثف وجودهم في رقعة صغيرة في الأرض.
2- أن المسلمين في الحج يأتون طلباً للأجر والمثوبة من الله،
وبالتالي فهم مقبلين على الطاعات،
ومنفتحين على الدعوة ومتقبلين للنصح الديني.
3- في هذه الأيام تتنوع الأعمال الصالحة من ذكر وتلاوة قرآن وسعي وطواف وهدي ورجم وصلاة،
وغيرها.
فيكون المسلمون متفرغين للعبادة،
ومنقطعين عن مصالح الدنيا.
4- يكثر البذل من قبل أهل الخير والصلاح في تقديم كل ما يحتاجه العمل الدعوي والخدمي والمعرفي للحجاج,
ما يكسب العمل الخيري دفعاً ومساندة.
5- تزول في بيت الله العتيق،
الفروقات الدنيوية بين الناس،
فلا تميّز بين غني وفقير،
ولا بين رئيس ومرؤوس.
فيتوحدون في العمل والأمل،
والملبس والمسكن.
وهذه من الأمور التي يجب أن يضعها الدعاة في حسبانهم خلال عملهم في هذا الموسم المبارك،
فيضعون الخطط الدعوية وفقاً لهذه الخصائص،
ويبنون عليها مشاريعهم الخاصة والعامة.
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للناس في الحج:
خلال السنوات التي مكثها النبي
-عليه الصلاة والسلام-
في مكة المكرمة قبل انتقاله للمدينة المنورة،
كان يعكف على دعوة الناس إلى الإسلام،
ويحثهم على الدخول تحت ظل الدعوة،
والتمسك بحبل الله.
وكان لا يفتر ولا يمل من الدعوة،
خلال موسم الحج،
الذي تتوافد فيه القبائل العربية إلى مكة المكرمة قبل دخولها إلى الإسلام.
ورغم الأذى الذي كان يلحقه
-صلى الله عليه وسلم-
من بعض كفار مكة خلال موسم الحج،
إلا أنه كان يسعى حثيثاً في نشر الدعوة الإسلامية بين الناس،
ويتحمل استهزاء البعض،
وأذى البعض الآخر،
في سبيل توصيل ولو آية من آيات الله
-عز وجل-.
وكان من هديه
-صلى الله عليه وسلم-،
أنه كان يصلي أمام الناس في مكة،
وهم يستغربون فعله،
وكان يذكر الله -تعالى-،
ويرفع صوته في تلاوة القرآن الكريم على مسامع الناس،
من أجل تبليغ الرسالة.
كما في قصة الطفيل بن عمرو الدوسي.
وبعد أن فتح الله له قلوب وبيوت الناس،
ودخل الإسلام إلى شبه الجزيرة العربية،
ودانت قبائل العرب بالإسلام،
انتهز -عليه الصلاة والسلام-
اجتماع الناس في الحج بمكة المكرمة،
في حجة الوداع المشهورة،
فأبلغهم وأوصاهم،
وأمرهم ونهاهم.
وكانت خطبة الوداع،
من أروع ما سطره -صلى الله عليه وسلم-،
من العمل بالدعوة في موسم الحج،
عندما صعد على مكان مرتفع،
وخطب في الناس،
وقال فيما قال -صلى الله عليه وسلم-:
" أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا،
أيها الناس،
إن ربكم واحد وإن أباكم واحد،
كلكم لآدم وآدم من تراب،
كل عمل الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين".
ومن بعده
انتهج الخلفاء الراشدون والسلف الصالح مبدأ الدعوة إلى الله خلال موسم الحج،
مغتنمين اجتماع الناس
وتفرغهم للعبادة،
وانقطاعهم عن مصالح الدنيا،
فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
يقضي بالحق بين الناس المتخاصمين في مواسم الحج،
ويطلب من أمرائه في الأمصار أن يشاركوه الحج،
فيستمع منهم،
وينصحهم ويعظهم.
وكان الخليفة هارون الرشيد إذا حج،
صحبه الفقهاء والمحدثون،
لعقد جلسات للعامة والخاصة،
وتفقيه الناس بأمور دينهم،
ودعوة الناس إلى المعروف ونهيهم عن المنكر.