أختاه احذري هذه المخالفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد:
أختي الطالبة: يا حاملة مشعل العلم والعرفان.. وماضيةً على طريق يغذي عقلك ثقافةً وفهمًا.. ونورًا وحكمةً.. يرفعك بين الأقران.. ويشرفك في كل مكان.. ويجعل منك أسوة تقتدي بها الأجيال عبر الأزمان.. أنت اليوم طالبة.. وغدًا ستكونين معلمة.. أو أستاذة.. أو كاتبة.. ومع ذلك ستكونين أمًا.. وزوجة.. وكأني بآمال تبنى على صلاحك.. وطموحات تُنسج على استقامتك.. فالكل هنا ينتظر منك الخير.. ويخشى عليك من الشر.
ومن هنا – أخية – جاء هذا الكتاب.. شاملاً لأشهر مخالفات الطالبات وأخطرها.. فهو مَعْلم في طريقك على بناء شخصية الطالبة الناجحة.. يحذرك من بنيات الطريق.. وعوائقه ومنحدراته.. حتى تكوني بمأمن من الشرور والآفات..
هنالك مخالفات كانت سببًا في فشل طالبات.. وأخرى كانت سببًا في انقطاعهن عن الدراسة.. بينما سببت أخطاء قاتلة منعطفًا خطيرًا في حياة بعض الطالبات.. فلم ينقطعن عن الدراسة فقط.. وإنما فشلن في حياتهن الاجتماعية عامة.
وإليك ملخصًا هامًا عن تلك المخالفات.. أسأل الله أن يحفظك من كل سوء وضراء.. وأن يوفقك لكل خير.
عدم المحافظة على الحجاب
فمن المخالفات الشائعة التي يقع فيها بعض الطالبات: عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، والتساهل في شروطه التي لا يتم الاحتجاب الكامل إلا بها، ومن المعلوم أن الحجاب الذي فرضه الله على نساء المسلمين مشروط بشروط تبينه وتميزه عن غيره من الألبسة التي تخالف الحياء والحشمة.
قال تعالى موجبًا الحجاب على نساء المؤمنين: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الأحزاب: 59].
فهذه الآية نص في فرض الحجاب على النساء وفيها دلالة على أن عدم المحافظة على الحجاب يفضي إلى عاقبتين وخيمتين:
الأولى: هي مخالفة أمر الله؛ إذ الحجاب فرض على كل مؤمنة، ومخالفة أوامر الله توجب العقاب، كما قال تعالى: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور: 63].
الثانية: هي التعرض إلى الأذى، فالحجاب دلالة على العفاف، فهو شعاره وعنوانه، ولذلك لا يتجرأ مرضى القلوب إلا على المقصرات في حجابهن؛ فتجدهن بإهمالهن للحجاب أكثر تعرضًا للمعاكسات، وأكثر شكاية من أذى الطرقات، ولذلك قال تعالى في آية الحجاب }ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ{ [الأحزاب: 59].
ثمَّ إن مخالفات الحجاب لا تقتصر فقط على التبرج الصريح.. وإنَّما هي كل ما يناقض شروطه الثابتة باستقراء نصوص لباس المرأة المسلمة في الشريعة. وقد تتبعها العلماء فكانت ثمانية شروط:
1- أن يكون الحجاب ساترًا لجميع جسم المرأة بما في ذلك الوجه والكفين.
2- أن يكون سميكًا غير شفاف.
3- أن يكون فضفاضًا غير ضيق.
4- ألا يكون الحجاب مشابهًا لملابس الرجال.
5- ألا يكون الحجاب مشابهًا للباس الكافرات.
6- ألا يكون لباس شهرة.
7- ألا يكون زينة في نفسه.
8- ألا يكون معطرًا أو مبخرًا.
ولو التزمت كل طالبة بشروط الحجاب في لباسها.. لما أصابها الضر والأذى، ولكان أبعد عن الفتنة وسخط الله، ولاندثرت من المدارس والجامعات تلك الحجب الدخيلة، كالعباءات القصيرة التي تظهر الساقين، وتظهر السراويل والبناطيل الضيقة (الجينز) ونحوه، ولاندثرت العباءات الشفافة المظهرة لأوصاف الجسم ونعومته ولاندثرت العباءات المزوقة والمشبكة الكاشفة للساعدين والعنق.. ونحو ذلك من العباءات التي أملتها (موضة اللباس).. وفي وقت انهزمت فيه النفوس.. فلم تعتز بدينها ولا بأصالتها ولا بثقافتها.. فواقع حاله ينبئ عن انحطاط ومهانة هانت معها كل القيم أمام الحضارات والثقافات الوافدة.
فتذكري أختي الطالبة.. أنك ابنة الإسلام.. وأن الحجاب شعار الصالحات.. الطاهرات العفيفات.. ولا يضرهن ولا يضر عفافهم ولا حجابهن أن تسود (موضة) دخيلة هنا أو هناك.. فقيم النفوس ثابتة.. والموضة إلى زوال.
وهذا رسول الله r يحذرك من الانتماء لصنف المنهزمات الكاسيات العاريات فيقول: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم].
ملازمة رفيقات السوء
فلا تخلطي أخية بين حسن الخلق مع النَّاس وبين اختيار صديقة صالحة.. فليس كل الناس مؤهلون لأن نرافقهم، فإنك إن تأملت أصناف رفيقاتك في الدراسة وجدتهن أشكالاً متفاوتة أخلاقها وأنماطها وعادتها؛ فهناك الطالبة الصالحة المتدينة المؤدبة, وهناك الطالبة المولعة بالفضول.. لا تنفك عن الغيبة.. ولا تفتر تتبع العورات، فمجاسها في عيوب النَّاس.. وصماتها في سوء الظن بهم!
وهناك الطالبة البريئة الطيبة.. وهي وإن لم يظهر عليها مظهر الالتزام فهي حيية عفيفة.. تحتاج إلى توجيه وكلمة طيبة.
وهناك الطالبة الغامضة الغريبة الأطوار.. وهكذا تختلف أخلاق الطالبة بحسب اهتماماتهن وعقولهن وتدينهن.
ومن هنا فعليك أخية أن تكوني ذكية في علاقاتك الاجتماعية وسط المحيط الدراسي.
انظري قبل أن تصاحبي.. واختبري من ترافقين.. فإن وجدت من فيها صلاح في دينها، وخلق في تعاملها، وأدب في معاشرتها، فبها استمسكي، قال رسول الله r: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
قال الشاعر:
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم
وتوسمن أمورهم وتفقدِ
فإذا رأيت أخا الأمانة والتقى
فبه اليدين قرير عين فاشددِ
طبعًا فمرافقتك للصالحات لا يعني إلغاء جميع الطالبات من قاموس العلاقات الاجتماعية.. بل أنت ملزمة في كل وقت وحين بالتخلق بالتعامل الحسن اللبق.. بالكلمة الطيبة.. والعفو والتسامح.. والإحسان والنصح.. والابتسامة.. ونحو ذلك لكن دون أن تعطي للسيئات الغافلات فرصة التأثير فيك.. بل كوني أنت الموجهة لهن للخير..
قال رسول الله r: «إنَّما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إمَّا أن يحذيك وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا منتنة» [رواه البخاري ومسلم].
ومن سلبيات مرافقة سيئات الخلق:
1- الفشل الدراسي ودنو الهمة في المحافظة على الواجبات الدراسية.
2- اكتساب الصفات الدنيئة، فإن المرء على دين خليله.
3- الوقوع في مخالفات خطيرة؛ كالمعاكسات والاهتمامات التافهة، التي تغري الطالبات لاسيما إذا صادفت ميل شهوة كامنة تذهب بالعقل.. فلا تشعلرالفتاة إلا وقد وضعت قدمها على دروب الظلام القاتلة.
4- اكتساب السمعة السيئة بين الناس فإن الطيور على أعشاشها تقع.
وقديمًا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وقال ابن مسعود t: «ما من شيء أدلُّ على شيء، ولا الدخان على النار، من الصاحب على الصاحب».
وقال مالك: «النَّاس أشكال كأشكال الطير، الحمام مع الحمام، والغرب مع الغراب، والبط مع البط، والصعو مع الصعو، وكل إنسان مع شكله». والسلامة لا يعدلها شيء.
العزوف عن الزواج
تقول إحدى العانسات: «كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكان الخطاب يتقدمون إليَّ من كل حدب وصوب، وكنت أرفض بحجة أنني أريد أن أصبح طبيبة ثم دخلت الجامعة، وكنت أرفض الزواج بحجة أنني أريد ارتداء معطفٍ أبيض على جسمي، حتى وصلت إلى سن الثلاثين، وأصبح الذين يتقدمون إليَّ هم من فئة المتزوجين وأنا أرفض وأقول: بعد هذا التعب والسهر أتزوج إنسانًا متزوجًا، كيف يكون ذلك؟ عندي من المال والنسب والشهادة العليا وأتزوج شخصًا متزوجًا؛ كلا, ووصلت هذه المرأة بعدها إلى سن الخامسة والأربعين وصارت تقول: اعطوني ولو نصف زوج» [اعترافات عانس/ مبارك العنزي ص5].
فهذه القصة غنية عن التعليق.. وهي تنبي عن واقع الحال.. فالإحصائيات تشير يومًا بعد يوم إلى استفحال ظاهرة العنوسة ليس بسبب غلاء المهور فقط، وإنما بامتناع الطالبات عن الزواج أيضًا.. وذلك بذريعة إكمال الدراسة.. وأيضًا خوفًا على المستقبل.
أخية.. أنت مثقفة.. وجدير بك أن تكتسبي ميزانًا حكيمًا تزنين به أهدافك في الحياة.. فالاستقرار والحياة الزوجية وتكوين الأسرة من أعظم الأهداف.. فإن أعطيت لك فرصة تحقيقها فلا تترددي، قال رسول الله r: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه»، فالرجل الديِّن يمنعه دينه من الظلم، ومع خلقه المرضي تكتمل السعادة.
فمقارنة باكتساب شرف تأسيس الأسرة.. وشرف الأمومة.. تعد مسألة إكمال الدراسة شيئًا ثانويًا.. لكن إذا أمكن الجمع بين الزواج والدراسة فهو أولى لما فيه من الخير.
الفوضوية والكسل
وهما صفتان إذا تمكنتا من الطالبة أصابها الفشل والإحباط والعجز؛ فالفوضوية: هي التخبط في تضييع الأوقات وعدم انتهازها، واستغلالها بالشكل المطلوب.
والكسل: هو التثاقل عن أداء المسؤوليات الدراسية والتراخي والتسويف، ولذلك عدَّ رسول الله r المضيع لوقته وصحته مغبونًا فقال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
أخية.. إذا تأملت في عدد ساعات الدراسة والنوم الطبيعي السليم وجدتها ثلاثة عشر ساعة.. فإذا اعتبرنا أن الاهتمامات الشخصية والمنزلية اليومية تأخذ أربع ساعات.. وثلاث ساعات أخرى لاهتمامات علمية وثقافية وربما دعوية.. فأين جدوى الأربع ساعات المتبقية على مسيرتك الدراسية؟ وأين ساعات الفراغ يوم الخميس والجمعة وفي العطل؟
إن تنظيم الوقت شرط لازم للنجاح.. ليس في الدراسة فقط وإنَّما لكل مريد للنجاح في الحياة.. لذا فإنك – ما دمت تطمحين إلى النجاح – معنية بتقسيم أربع وعشرين ساعة يومية على جدولك اليوم.. ومهما أخفقت في أول الأمر.. فإنك بشيء من العزم والصبر.. وكثير من المحاسبة والاهتمام وعلو الهمة.. ستتلخصين من الفوضى في فراغك.. وأنت قادرة على ذلك بإذن الله.
أمَّا الكسل فلا يعني أنك عاجزة! وإنَّما يحتاج الأمر منك إلى استعلاء الهمة.. فكل إنسان يمتلك في أعماقه طاقة هائلة لو بذلها كما يجب لحاز على أفضل النتائج..
وإذا تأمَّلت في أصناف النَّاس من حيث الإنجاز وجدتهم مختلفين.. ليس لأن بعضهم يمتلك الطاقة وبعضهم يفتقر إليها.. ولكن لأن بعضهم يستخدمها.. وبعضهم يعطلها.. فلا تعطلي الطاقة بالكسل.
نظمي أوقاتك.. حافظي على توازن الغذاء.. وتخلصي من العادات السيئة كملازمة التلفاز والانترنت ونحو ذلك.. وستجدين نفسك أمام كم هائل من الوقت والنشاط.
رتبي مكتبك واجعلي الأولوية للواجبات الدراسية والمواد الأساسية بانتظام.. وستجدين نفسك على أبواب النجاح.
خدش العفاف
أخية.. ولأن عفافك كالزجاج الرقيق.. فإنه سريع الخدش تخدشه الكلمات.. وقد تكسره الشبهات.. وحتمًا تحطمه المجازفات.
كوني حيية، فالحياء لا يأتي إلا بخير..
اقطعي وقاطعي موارد الرذيلة من مجلات فاسدة، وقنوات هابطة، ورفقة سيئة..
وإذا قيل لك: معظم الفتيات تزوجن بالمعاكسات.
فقولي: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق: 2، 3].
ثم تذكري أن ما عند الله لا ينال إلا بما شرعه.. وأن ضحايا الذئاب ممن غامرن بشرفهن لأجل زواج موعود.. قد استفاضت أخبارهم فصرن عبرة.. وذرفن الدم عبرة.
لا تنبهري بكثرة المخالفات.. ولا تقلقي من قلة الصالحات.. فعين عقلك ترى ما لا تراه عين رأسك.. ونظر العقل أبعد من نظر العين.. فكوني بعيدة النظر.. واحذري هذه المخالفات فإنها ضرر وخطر..
حفظك الله من كل فتنة.. وحماك من كل سوء.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


* * * *